منظومة القيم وأهميتها

04 يونيو 2021 م

نشأ الإنسان من صغره على الشعور بالخير وبالشر، وهُدِيَ طريقي الفضيلة والرذيلة، ووهبه الله تعالى الملكات والحواس وزوده ببصيرة قِيَمية ووازع أخلاقي مستقر في ضميره؛ حتى يتحكم في أهوائه، ويزكي رغباته من أجل قيادتها إلى الخير والعمران وتحصيل مصالحه في العاجل والآجل.

نشأ الإنسان من صغره على الشعور بالخير وبالشر، وهُدِيَ طريقي الفضيلة والرذيلة، ووهبه الله تعالى الملكات والحواس وزوده ببصيرة قِيَمية ووازع أخلاقي مستقر في ضميره؛ حتى يتحكم في أهوائه، ويزكي رغباته من أجل قيادتها إلى الخير والعمران وتحصيل مصالحه في العاجل والآجل.
والقيم جمع كلمة "قيمة"، ويستعمل جذرها "ق و م" لمعان متعددة ودلالات متنوعة؛ وتلتقي دلالته في جانب الأخلاق مع دلالة كلمة "الخير"، التي تعني التحلي بمكارم الأخلاق وأمهات الفضائل في الحقيقة الشرعيَّة.
ولا شك أن رقي الأمم والمجتمعات والأوطان مرتبط بارتقائها في سُلَم منظومة القيم ومتناسب معه بصورة طردية دائمة؛ وهذا يكشف الحكمة من عناية الشرع الشريف بمنظومة القيم التي هي موجهة دائمًا لتزكية النفس البشرية، وتنمية فطرة الخير، وتهيئة المناخ الصالح؛ بتطهيرها من نزغات الإثم والعدوان، وإزالة الجنوح إلى الشر وحظ الشيطان.
ولذا حصر النبي صلى الله عليه وسلم رسالته الخالدة في إتمام حُسْن الأخلاق؛ حيث يقول صلى الله عليه وسلم: «بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ حُسْنَ الْأَخْلَاقِ» "الموطأ" (8)، وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ بَعَثَنِي بِتَمَامِ مكارمِ الْأَخْلَاقِ، وكَمَالِ مَحَاسِنِ الْأَفْعَالِ» "معجم الطبراني الأوسط" (6895)، وقد وصفه الله تعالى بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4].
وببعثته صلى الله عليه وسلم اكتمل للإنسانية منظومة القيم التي ترسخ مكارم الأخلاق، وترشد إلى دعائم الرقي والحضارة، وتنير أمام البشرية طريق الحق والعدل، حتى بزغ النور الذي يضيء لها أسباب السعادة والرفاهية والحرية، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا فَأَتَمَّهَا وَأَكْمَلَهَا إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَدْخُلُونَهَا وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهَا، وَيَقُولُونَ: لَوْلَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ»، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «فَأَنَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ، جِئْتُ فَخَتَمْتُ الْأَنْبِيَاءَ» "صحيح مسلم" (2287).
وبذلك فمكارم الأخلاق وأمهات الفضائل هي جوهر منظومة القيم الذي حواه القرآن الكريم وجمعه في آياته الكريمة وضمنه فيها، ثم قدَّم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بصورة عملية وقدوة فعلية بلغت درجة من الكمال لا يُبتغى وراءها شيء، بعد أن كانت متفرقة في آثار الأنبياء والرسل وكتبهم السابقة وتعاليم الحكماء والمصلحين الذين تباعدوا فيما بينهم مكانًا وزمانًا؛ بل ربما لم يؤثر عن بعضهم أثر يحفظ شيئًا من ذلك!
وتمتاز منظومة القيم في الإسلام بكونها بناءً حقيقيًّا تتعاون فيه كل العناصر وتتساند كل المجالات، فهي مرتبطة بالعقيدة والعبادات وتسري في المعاملات ويمتزج خلالها المثالي بالواقع العملي، ويسير إطارها القطعي مع المرونة في المضمون بطريقة حكيمة متكاملة لا متناقضة ولا متعارضة.
كما أن الأحكام الشرعية وأهدافها تكاد تتطابق مع رسالة منظومة القيم وأهدافها في الإسلام، فموضوعهما يتلاقيان بصورة تكاملية حيث يختصان بأفعال الإنسان المكلف وضبط سلوكياته؛ من أجل أن يكون صالحًا لا مشوهًا، وأن يكونَ أداة بناء لا أداة هدم وتدمير وإشاعة الفساد وظهور الفوضى والاضطراب في الأرض، ويضاف إلى ذلك أن منظومة القيم عليها مدار الانتساب إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَحَبَّكُمْ إلى وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّى مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا» "سنن الترمذي" (2018).
وتكشف هذه المعاني عن أهمية منظومة القيم ودورها الديني والاجتماعي والحضاري في مسيرة البناء والاستقرار؛ فالتحلي بمكارم الأخلاق وأمهات القِيَم فريضة دينية وضرورة وطنية واجتماعية؛ لأنها تعتبر السر الساري بين أفراد المجتمع الذي متى فُقِدَ تَفَكَّكَ المجتمع وتصارع أفراده وانهار نظامه العام.
وإلا فكيف تتحقق الثقة في المعارف والمعلومات والتخصصات المختلفة لولا قيم الصدق والإخلاص.. وكيف يكون التعاون المثمر والتعايش في استقرار وأمان لولا قيم الأمانة والعفة والعطاء.. وكيف تُنْشئ الأمة العمران والحضارة لولا قيم التعاون والإتقان والإيثار والمحبة والتآخي.. وكيف تُحْمى الأوطان ومقدراتها ويُدافع عن المقدسات لولا قيم العدل والشجاعة والتضحية في سبيل الواجب والمروءة والعزة والكرامة؟!

****
الجمعة 23 شوال 1442هــ الموافق 4 يونيو 2021م.
 

 

اقرأ أيضا