منظومة القيم وأهميتها.. الصدق

11 يونيو 2021 م

قدمنا في المقال السابق أن التحلي بمكارم الأخلاق وأمهات القِيَم يُعَدُّ من الكمالات الدينية، والضرورات الاجتماعية؛ فهو الرابط الممدود والسر الساري بين أفراد المجتمع الذي متى فُقِدَ تَفَكَّكَ المجتمع وتصارع أفراده وانهار نظامه العام.

قدمنا في المقال السابق أن التحلي بمكارم الأخلاق وأمهات القِيَم يُعَدُّ من الكمالات الدينية، والضرورات الاجتماعية؛ فهو الرابط الممدود والسر الساري بين أفراد المجتمع الذي متى فُقِدَ تَفَكَّكَ المجتمع وتصارع أفراده وانهار نظامه العام.
ومن أوائل القيم الرفيعة "الصدق" بما له من أهمية خاصة في منظومة القيم والأخلاق، وهو قيمة ذات نفع حضاري عظيم في بناء المجتمع، وأحد الأسس التي تزيد في روابط أفرداه وتؤكد على صِلَاتِه، بل إنها عامل نشط يثمر تزكية نفوس أفراده: رجاله ونسائه، صغاره وكباره حتى يكون –الصدق- سمة ذاتية في شخصيتهم فيدخلوا في زمرة الصديقين ويستحقون ثوابهم، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا» "متفقٌ عليه".
لقد أكد هذا النص النبوي الشريف على قضية محورية في الإنسان وهي أنه قابل للتنمية والترقي، صالح للتعلم واكتساب القيم الفاضلة من خلال التدريب العملي والممارسة الفعلية المقترنة بالهمة المخلصة والإرادة الجازمة، فبتكرار ممارسة الصدق يصبح عادة للإنسان ثم تصير هذه العادة إلى قيمة راسخة وخلق ثابت؛ وعندئذ يكتب العبد عند الله صديقًا، وقد مثَّل النبي صلى الله عليه وسلم النسق الأعلى في ذلك فكان يلقب في أهله في مكة بـ"الصادق الأمين".
إن تحري الصدق في الأقوال والأفعال مقدمة صالحة تثمر وفق تسلسل منطقي مختلف الأعمال النافعة، وتزيد في وجوه البر والخير ثم إلى رضوان الله تعالى، كما أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم؛ فمن أصبح صِدِّيقًا إذا وَعَد وعدًا وفَّى به، وإذا عاهد عهدًا أو بيعة وفَّى بها، لا يسمح لنفسه بأن يحكم بالظنون ولا يسمح لنفسه بالنفاق أو المراءة في أعماله وأقواله، ولا يلقي كلامه دون بصيرة ولا يشيع الشائعات دون تثبت.. وهكذا.
نعم؛ إن كلمة "الصدق" بسيطة في التركيب سهلة في النطق والتلفظ، لكنها في الحقيقة والواقع كبيرة المعنى، لها من الآثار الحميدة والمعاني ذات الدلالات الحضارية؛ فهي سبب فوز الفائزين في جميع الأحوال؛ فعلاقاتنا ومعاملاتنا المالية والاجتماعية والإنسانية تعتمد على شرف الكلمة وصدق الإرادة، ولولا ذلك لتفككت هذه الروابط ولتعقدت هذه التعاملات بصورة مباشرة تهدد الاستقرار ومسيرة البناء والحضارة.
وذلك لأن الكذب تسلسل منطقي لأعمال الفساد وجحود الحق ومطاوعة الهوى ومقارفة المهلكات، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا»، وقال صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» في حق من يقوم بترويج الشائعات ولا يتحرى الصادق من الأخبار.
ويضاف إلى ذلك أن الشرع الشريف حافظ على المجتمع من اختلاط الحق بالباطل وتشويه الصفات النبيلة واستغلالها في ثوب الصدق لنشر الأكاذيب والشائعات؛ حيث حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، فعَدَّ استغلال الصادقين وذوي النفوس الطيبة الذين يستأمنون المتعامل معهم ويستسلمون له من الخيانة الكبرى؛ حيث قال: «كَبُرَت خيانةً أن تُحَدِّثَ أخاكَ حديثاً هو لَكَ به مُصَدَّقٌ، وأنتَ لَهُ به كاذِبٌ» "سنن أبي داود".
وتترسخ بهذه المعاني أن قيمة الصدق ليس هناك ما هو أسمى وأرفع وأجمل منها؛ ولا بد للمجتمع أن تكون هي القيمة السائدة الشائعة بين كل فئاته؛ فنحن أحوج في هذا العصر إلى وجود الصدق في عبادة الإنسان وعلاقته مع ربه لا رياء ولا سمعة ولا هوى، وفي علاقاتنا الأسرية والاجتماعية وتعاملاتنا المالية والإنسانية في كل مكان، بل وفي التعامل مع كل إنسان، تشبهًا بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم (الصادق الأمين) الذي أمره الله تعالى أن يدعوه في قولِه: ﴿وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيرًا﴾ [الإسراء: 80].

****

الجمعة 30 شوال 1442هــ الموافق 11 يونيو 2021م.
 

 

اقرأ أيضا