منظومة القيم وأهميتها.. قيمة الأمانة

18 يونيو 2021 م

قدمنا في المقال السابق أن قيمة "الصدق" مع أنها كلمة بسيطة في التركيب، سهلة على اللسان، فإن رمزيتها عميقة الدلالة ومعانيها كبيرة في تكوين شخصية الإنسان واستقرار المجتمعات؛ وهي تحتاج إلى تكرار في الممارسة؛ حتى تصبح عادة للإنسان ثم تصير قيمة راسخة وخلق ثابت؛ وعندئذ يُكتب العبد عند الله صديقًا!

قدمنا في المقال السابق أن قيمة "الصدق" مع أنها كلمة بسيطة في التركيب، سهلة على اللسان، فإن رمزيتها عميقة الدلالة ومعانيها كبيرة في تكوين شخصية الإنسان واستقرار المجتمعات؛ وهي تحتاج إلى تكرار في الممارسة؛ حتى تصبح عادة للإنسان ثم تصير قيمة راسخة وخلق ثابت؛ وعندئذ يُكتب العبد عند الله صديقًا!
وتلي هذه القيمة الجليلة قيمة "الأمانة"، وهي قيمة راسخة في الشخصية ينطلق الإنسان منها في أداء الواجبات التي عليه وما لديه من حقوق غيره، سواء كانت هذه الحقوق متعلقة بالله تعالى أو حقوق مادية أو معنوية تجاه وطنه أو مجتمعه أو عائلته أو نفسه.
وقيمة الأمانة أنها تعف الإنسان عن أن يأخذ ما ليس له حتى وإن تهيأت له ظروف الاستحواذ.
والأمانة أصل في اصطفاء الرسل والأنبياء؛ حيث استأمنهم الله تعالى دينه ورسالته إلى البشرية، كما أنها وصية النبي صلى الله عليه وسلم لصحابته وللأمة؛ فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَلَّمَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَالَ: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ» "مسند الإمام أحمد"، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «المؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ» "سنن الترمذي".
والأمانة مفهوم يتسع دوائره حتى يشمل مجالات متعددة؛ فمن تحلى بقيمة الأمانة يكون "أمينًا حقًّا"، يشهد بالحق، ويحب العدل والإنصاف، ويُستأمن على حفظ الأسرار والأعراض والأموال، ويُعطي كل ذي حق حقه بصورة كاملة غير منقوصة، فلا يقصر في عمله ولا في إتقانه، ولا يماطل في الديون المستحقة لغيره، ولا يختلس شيئًا ملكًا لغيره دون أن يشعر به أحد، ولا يعتدي على الأعراض ولا على الأموال ولا على الحياة ولا على الحقوق العلمية والفكرية.. إلخ.
لا شك أن هذه القيمة حين تصبح اسمًا لا مسمًّى له في شخصية الإنسان ولا أثر له في السلوك يكون الواقع أليمًا غير مستقرٍ؛ نظرًا لحدوث تسلسل منطقي لأعمال الفساد؛ من التقاعس عن العمل والمماطلة في الحقوق والخيانة للدين والوطن والفرد.. في الأعراض والأموال والحياة.
ولذا حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيح- من التخلي عنها وعن سماتها ومقتضياتها ومعرفة أهلها على الحقيقة في قولِه عن آثار وسمات رَفْعِهَا: «يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ، فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الوَكْتِ -أثر النار-، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ.. فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، فَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأَمَانَةَ، فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فُلاَنٍ رَجُلًا أَمِينًا».
وبهذه المعاني السامية تظهر أهمية التحلي بقيمة "الأمانة" التي هي أصل في منظومة القيم؛ فهي أساس لاختصاص الأنبياء والرسل والمصلحين واصطفائهم من قِبل الله تعالى، وهي أساس لامتياز جنس الإنسان عن المخلوقات الأخرى من خصائص وصفات محورها اختيار فعل الخيرات والأعمال الصالحات، فهي من جملة الأمانة التي أوكلها الله تعالى للإنسان كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾ [الأحزاب: 72].

****
الجمعة 7 ذي القعدة 1442هــ الموافق 18 يونيو 2021م.
 

 

اقرأ أيضا