وصية جليلة بالمرأة في حجة الوداع

16 يوليو 2021 م

في العام العاشر من الهجرة، وفي حجة الوداع، ألقى النبي صلى الله عليه وسلم "خطبة الوداع" على مسامع صحابته رضي الله عنهم، الذين زاد عددهم عن المائة ألف صحابي، ليؤسس من خلالها ولتنشر بعده مبادئ الإسلام وأصوله، ويرشد إلى عوامل العدل والإصلاح وحقائق الإحسان.

في العام العاشر من الهجرة، وفي حجة الوداع، ألقى النبي صلى الله عليه وسلم "خطبة الوداع" على مسامع صحابته رضي الله عنهم، الذين زاد عددهم عن المائة ألف صحابي، ليؤسس من خلالها ولتنشر بعده مبادئ الإسلام وأصوله، ويرشد إلى عوامل العدل والإصلاح وحقائق الإحسان.
وقد أوضح فيها دلائل المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك، وأظهر سمات الصراط المستقيم؛ حتى يقوم الناس بالقسط فلا يضلوا بعده أبدًا.
ولا شك أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد اهتم ببيان مكانة المرأة وأهميتها في المجتمع، ووضع العناوين الكبرى لجملة من الأحكامِ والآداب تمثل دستورًا حكيمًا لبناء مجتمع متكامل ومتكاتف، تتمتع المرأة فيه بجملة من الحقوق الفردية والاجتماعية والإنسانية تكافئ ما عليها من واجبات ثقيلة، وفي ذلك يقول تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 228]، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» "سنن أبي دواد".
إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أوصى في خطبته بالمرأة؛ حتى تُكْرَم، ويُعتنى بها، وتُرفع إلى منزلتها اللائقة بها، وتأخذ نصيبها من التكريم والرعاية، وتحظى بتقدير جميلها، والوفاء لدورها؛ فعن عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ رضي الله عنه قَالَ: شَهِدت حَجَّةَ الوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَّرَ، وَوَعَظَ، فَقَالَ: «أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَان عِنْدَكُمْ» "سنن الترمذي".
ثم أكد على حسن معاملة المرأة كزوجة بطريقة معيارية؛ حتى تنضبط هذه العلاقة الوثيقة من خلال بيان ما لها من حقوق وما عليها من واجبات؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ» "سنن الترمذي".
وهو بيان ضروري لضبط الحياة الأسرية بصورة خاصة، ولحركة المجتمع بصورة عامة؛ حيث انكشفت من خلاله الحقوق والمعايير الضابطة للعلاقة بين الرجل والمرأة في العلاقة الزوجية؛ إذ تُعَدُّ المرأة شريكاً أساسيًّا في ذلك، مع ما تقوم به من دور كبير في تربية النشء، وإخراج أجيال نافعة للمجتمع، تكون قادرة على العمل والبناء، بما يضمن تحقيق السكن والمودة بينهما ويكون كل طرف منهما للآخر محل اطمئنان لقلبه وواحة الراحة والهدوء التي يلجأ إليها، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21].
إنها مبادئ رفيعة أكدها النبي صلى الله عليه وسلم بجملة من الأحكامِ الشرعيَّة؛ حيث أهلية المرأة الكاملة واستقلال إرادتها؛ فقد أجاز لها أن تحج عن غيرها سواء كان رجلًا أو امرأةً، كما عاملهن بالرفق النبوي المتجسد في شخصه الشريف؛ حتى نتأسى به صلى الله عليه وسلم، وكشف عن رخص الأحكام الشرعيَّة المتعلقة بهن في هذا المنسك الجليل؛ فأباح للمرأة ممارسة جميع أفعال الحج وهي حائض أو نفساء إلا الطواف وركعتيه، حتى تطهر، فإن خشيت أن تفوتها الرحلة، جاز لها عند بعض العلماء أن تطوف بالبيت بعد أن تشد نفسها بما يمنع تلوُّث الحرم، أما طواف الوداع فهو مرفوع عنها.
كما رُخص لها في أن توكِّل غيرها في الرمي، أو تؤخر الرمي إلى الليل خوف الزحام والتدافع، وكذا رُخص لها بالمبيت أيام منى في مكة المكرمة.
وجملة هذه المعاني تؤكد على أن المرأة قد حظيت بنصيب كبير من خطبة الوادع ومواقف حجة الوداع؛ حيث أرسى النبي صلى الله عليه وسلم ركائز التعامل مع المرأة، وكشف عن القيم الأخلاقية وأصول المعاملة المثالية اللائقة بمكانتها السامية، وأوصى الرجال بها خيرًا في يوم عظيم ومنسك جليل، وعلى رؤوس الأشهاد ومختلف الأجناس واللغات، فما أجمل هذا النبي الكريم وأعظمه، وما أكمله وأعدله، وهو القائل: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأِهْلِهِ، وَأنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي».
كل عام ومصر بقائدها وشعبها وجيشها ومؤسساتها وكذا الأمة العربية والإسلامية بكل خير وعافية وازدهار.

****
الجمعة 6 ذي الحجة 1442هــ الموافق 16يوليو 2021م.
 

 

اقرأ أيضا