منظومة القيم وأهميتها.. قيمة التعاون

28 أغسطس 2021 م

قدمنا في المقال الخامس في مقالاتنا "منظومة القيم وأهميتها" أن قيمة "الرحمة" لها رمزية عالية في الإنسانية، فهي أصل ٌمن الأصول العامة الضابطة لحركة الناس؛ لكونها منبعًا كريمًا ينتج لدى الإنسان اللين والعطاء والعطف بما يثمر في إشاعة السعادة وحب الخير للغير.

قدمنا في المقال الخامس في مقالاتنا "منظومة القيم وأهميتها" أن قيمة "الرحمة" لها رمزية عالية في الإنسانية، فهي أصل ٌمن الأصول العامة الضابطة لحركة الناس؛ لكونها منبعًا كريمًا ينتج لدى الإنسان اللين والعطاء والعطف بما يثمر في إشاعة السعادة وحب الخير للغير.
وتتعانق قيمة "التعاون" مع قيمة "الرحمة"؛ باعتبار التعاون مظهرًا لحب الخير والنفع للآخرين، وهو ضرورة فطرية وظاهرة اجتماعية عرفها الإنسان من أجل تيسير العمل، وتوفير المصالح وتبادل المنافع والخدمات، وإظهار الاتحاد والنصرة.
ويقصد بالتعاون العمل سويًّا ومبادلة المساعدة في تحقيق شيء معين للنفع المشترك؛ وهي معاني حثت الأدلة الشرعيَّة عليها وحثت الناس على التحلي بحقيقتها وضوابطها؛ كما في قولِه تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» "صحيح مسلم" (2699).
ثم ضرب النبي صلى الله عليه وسلم القدوة العمليَّة العليا في التخلق بهذه القيمة الفاضلة؛ حيث يقول ذو النورين عثمان بن عفّان رضي الله عنه في بعض خطبه: "إنّا والله قد صحبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في السّفر والحضر، وكان يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير" "مسند أحمد" (504)، ومدح صلى الله عليه وسلم قبيلة الأشعريين لإظهارهم كوامن التعاون والمواساة فيما بينهم خاصة في حالة قلة العيش وضيق الأحوال، بقوله: «فَهُمْ مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُمْ» "متفقٌ عليه"، بمعنى طريقتي وطريقتهم واحدة في التعاون والمحبة والإيثار.
وفي المقابل نهى الله تعالى عن أنواع التعاون السـلبية التي فيها معصيةٌ لله أو عدوانٌ وظلمٌ للآخرين، وكل ما يصدُّ عن البرِّ والخير، بما يجعل الناس أعداء متباغضين فيما بينهم؛ فيقول سبحانه: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2]؛ ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا».
وبذلك يتأسس معيار التعاون المثمر الذي يكشف عن مظاهر الطريقة المثلى لبناء المجتمع والأوطان، ويؤكد أيضًا على مفهوم الشراكة الإيجابية في المجتمع الذي لا يقوم بالضرورة على المصالح المادية أو بحث حلول المشاكل أو دفع المخاطر فقط، وإنما يقوم على التساند والتعاون من أجل البناء والعمران وتوفير سبل الحياة الكريمة، وذلك على كافة المجالات والأحوال سواء في ذلك الأفراد أو المجتمعات أو الدول.
فلا شك أن الإسلام لا يعرف مجـتمعًا قائمًا على الفرديَّة والأنانيَّة بحيث يهـتم كل إنسان بنفسه فقط، وإنما يؤسس من خلال نصوصه الشرعية وآدابه المرعية لمجـتمع يقوم على أواصر مُترابطة وعلاقات تكاملية مُتعاوِنة، فهو مجتمع يعرف الإخاء الصادق، والعطاء الكريم، والتعاون الدائم على البِرِّ والتقوى، تحقيقًا للأمر النبوي الشريف الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ لَهُ فَضْـلُ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا زَادَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْـلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا ظَهْرَ لَهُ» "صحيح مسلم" (1728).
إن هذه السمات كاشفة للسلوكيات الإيجابية لقيمة "التعاون"، كما ترشد إلى الأسباب والأعمال التي ترسخ هذه القيمة وتوقظها في القلوب؛ فهي دليل حبّ الخير للآخرين، وثمرة من ثمرات الإيمان والأخوة في النسب والدين والمجتمع والوطن، مع كونها وسيلةً جامعةً إلى محبّة الله تعالى ورضاه وجنّته، وطريقًا من أهمّ الطرق المحققة للألفة والمحبّة بين النّاس؛ تحقيقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ المؤمنين فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهم مَثَلُ الْجَسَدِ، إذَا اشْتَكَى مِنْهً عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بالسَّهر وَالحُمَّى» "صحيح مسلم" (2586).
نحن في أشد الحاجة اليوم إلى تعاون الأسرة فيما بينها، وكذلك إلى تعاون الفرد مع المجتمع، فضلًا عن تعاون المؤسسات مع بعضها البعض، من أجل نهضة شاملة وجمهورية جديدة، تحفظ للمجتمع أمنه واستقراره وازدهاره، وللفرد وعيه وكرامته ومعيشته الطيبة، له ولأبنائه وأحفاده.


****
الجمعة 20 محرم 1443هــ الموافق 28 أغسطس 2021م.
 

 

اقرأ أيضا