مؤتمر بغداد خطوة للتعاون

03 سبتمبر 2021 م

تكلمنا في المقال السابق عن أن قيمة "التعاون" هي أساس جذري تنتج عنه مجموعة من مفردات منظومة القيم ومكارم الأخلاق؛ حيث غذَّى الشرع الشريف محاور التعاون، وعمل على تنميته بين الأمة، وحثَّ على لزوم وحدة الصف في ظروف السِلم والحرب بعيدًا عن الانعزالية والفرقة.

تكلمنا في المقال السابق عن أن قيمة "التعاون" هي أساس جذري تنتج عنه مجموعة من مفردات منظومة القيم ومكارم الأخلاق؛ حيث غذَّى الشرع الشريف محاور التعاون، وعمل على تنميته بين الأمة، وحثَّ على لزوم وحدة الصف في ظروف السِلم والحرب بعيدًا عن الانعزالية والفرقة.
لقد عمَّق النبي صلى الله عليه وسلم معنى وحدة الصف بين الأمة، وعمل على تماسك مجتمعاتها وتشابك بنائها بصورة يسرى فيها حسٌّ مشترك وروح واحدة؛ حتى يكون أبناؤها مثلهم كمثل الجسد الواحد الذي تتساند جميع أعضائه وتتعاون فيما بينها تعاونًا تامًّا، بل وتتشارك في العافية والألم؛ فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ، إِنِ اشْتَكَى عَيْنُهُ، اشْتَكَى كُلُّهُ، وَإِنِ اشْتَكَى رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ».
فهذا الحديث الشريف أظهر كيف تتحقق معاني القوة للأمة القابلة لبناء وحدةٍ ذات مجد رفيع وعز منيع، وهو بناء حي تغذيه روح "التعاون" و"التراحم" و"التعاطف"، وهو ما شاهدناه ظاهرًا خلال مؤتمر "بغداد للتعاون والشراكة" الذي شاركت فيه مصر، من أجل إقامة شراكة وتعاون وتكامل اقتصادي بين العراق ودول الجوار والدول الصديقة؛ دعمًا لعودة العراق الشقيق لدوره المؤثر والمتوازن، ولضمان أمن هذا الوطن العزيز واستقراره.
وتعَدُّ مشاركة مصر في هذا المؤتمر المهم نابعة من أصالة أخلاقية وحضارية ضاربة فى عروق الشعب المصري؛ فليس غريبًا على القيادة السياسية ولا على الشعب المصري هذه المواقف الوطنية والجهود الكبيرة تجاه بلاد الرافدين وشعبه العريق؛ فذلك الشعب يملك حضارة خالدة، وتاريخًا مشرِّفًا، وهو بلا شك يملك أملًا واعدًا نحو تحقيق غد أفضل.
ولا تزال مصرنا الكبيرة تقوم بدورها المعهود بحكمة وقوة وشرف؛ فهي تحرص على نهضة البلاد العربية بما لها من تجربة وخبرة في المجالات المتنوعة؛ فقد واجهت تحديات متنوعة وخطيرة ذات أبعاد سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية في العِقد الأخير، وقد تجاوزتها من خلال تكاتف جموع المصريين وتوحد كلمتهم خلف مؤسسات الدولة والمخلصين من أبناء الوطن، وظهر للجميع أن الأمة المصرية متمسكة بما لديها من جذور عميقة كامنة في الحفاظ على مسيرة الاستقرار والتنمية، مع التدين الصحيح المبني على الفهم السليم والقيم الأخلاقية والحضارية المستقرة، من غير إفراط ولا تفريط.
ومن هنا تظهر أهمية تعزيز قيمة "التعاون" بين الدول العربيَّة والانطلاق من مقاصدها ومحاورها كضمانة أساسية للقضاء على مرض العصر (الإرهاب والتطرف)؛ وذلك لما لهذه القيمة من أهمية في ربط الجهود في نظم واحد، وكذلك في جمع القلوب والعقول في سلك عاطفة مشتركة واحدة، وضرورة توحيد السلوك والممارسات العمليَّة في سلك تعاليم الإسلام ومفاهيمه بصورته النقية السمحة التي تحرسها المؤسسات الدينية الراسخة، وعلى رأسها الأزهر الشريف.
ولا شك أن هذا الاستقرار لا يتأتى إلا بالتعاون والتلاحم بين الدول على جميع المستويات من أجل اجتثاث الإرهاب ومحاربته على جميع الأصعدة، والعمل على تجفيف منابعه الفكرية والمذهبية، واستخدام الأدوات الحديثة في مواجهته، وبذل الجهود من أجل استئصال الجماعات والتنظيمات الإرهابية، وهي التي قتلت جذوة الحياة في البلاد العربيَّة، مستخدمة في ذلك كل الإمكانات المادية والمعنوية لخلق واقع غريب على الأمة العربيَّة والإسلامية يساعد في ضرب عمقها الاستراتيجي وأمنها واستقرارها!
إن مؤتمر بغداد أظهر أن الدول العربيَّة وقياداتها على تنسيق كامل قائم على الأخوة الصادقة، وترابط متداخل أساسه التراحم والتساند، وأن علاقاتهم قائمة على التعاون والتكامل؛ ولذا كانت صعبة على من يريد أن ينال من أمنها ومكتسباتها واستقرارها ومصالحها، وذلك بسبب ما يتجلى من التعاون المثمر الذى من فوائده العمل النافع، وتوفير المصالح، وإظهار الاتحاد والتناصر على البر والحق والتقوى؛ انطلاقًا من قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].


****
جريدة الأهرام عدد الجمعة 26 محرم 1443هــ الموافق 3 سبتمبر 2021م.
الرابط: https://gate.ahram.org.eg/daily/NewsPrint/821677.aspx.

 

 

اقرأ أيضا